"أنا زي (مثل) الفريك ما بحبش (لا أحب) شريك"، مثل شعبي مصري شهير يدلّ علي التفرد، مثله مثل حبوبالقمح الخضراء قبل تمام النضج التي تعرف باسم "الفريك" وتستخدم كبديل عن الأرز، واشتهر صعيد مصر بزراعتهاوإنتاجها منذ نحو 30 عاما، وترتبط به أكلات شعبية مصرية شهيرة حيث يتم حشو طائر الحمام المشوي به "متفردا" بلا حشو آخر ويقدم في المطاعم والاحتفالات والمناسبات المختلفة.
حبوب "الفريك" التي تنتج فى العراق وبلاد الشام والجزائر وتركيا، تعد في قرية "زهرة" بالمنيا (وسط مصر)حرفة لأهلها وسلعة يصدرونها سنويا للخارج، بحسب مزارعين وعمالة ومسؤول محلي تحدثوا إليالأناضول.
قرية "زهرة" التي يقدر عدد سكانها بنحو 40 ألف نسمة ، تميزت بمهنة إنتاج وصناعة الفريك في صعيد مصروعرفت بـ"زهرة بلد الفريك" ، ولا يخطر في ذهن عمالها إلا القيمة المالية التي ستدر دخلا يقي من البطالةوالعنوسة وضيق الأحوال المعيشية، ولم تحمل إجاباتهم أي اهتمام بالقيمة الصحية الكبيرة للفريك ،بحسب مراسل الأناضول.
فالفريك بحسب معلومات طبية ، يهب للجسم كمية كبيرة من الألياف الغذائية التي تعطي الشعور بالشبعفترات طويلة من الوقت وتفيد في التخسيس، وبه مادتا اللوتين والزاكسانين وهما من مضادات الأكسدةالتي تحمي العين من الأمراض بجانب تشبع الفريك بكمية كبيرة من الألياف الغذائية تساهم في تحسينعملية الهضم والوقاية من الإمساك وسرطان القولون وهو غني بفيتامين ب وفيتامين هـ اللذين يساعدانفي استرخاء العضلات والتخلص من التوتر والإرهاق.
كما يساعد الفريك على خفض نسبة الكولسترول المرتبطة بأمراض القلب من خلال الألياف وأيضا تقليلضغط الدم بفضل وجود البوتاسيوم.
إنتاج الفريك بقرية زهرة ، يبدأ بحصاده من أواخر شهر مارس/آذار إلي أواخر أبريل/ نيسان من كل عام (قبل إتمام نضج محصول القمح السنوي الذي يلي هذا التوقيت بـ 25 يوما)، حيث تكون حبات القمح تتميز بلون أخضر، حسبما قال للأناضول، خلف عبد الرحمن (62 عاما)، مزارع بالقرية.
انتاج "الفريك" يمرّ بمراحل عدة كما يقول للأناضول مزارع آخر يدعي خلف عطا الله (49 عاما) حيث يبدأ بحصد القمح الأخضر من المساحات الزراعية ويوضع فى أجولة من الأكياس البلاستيك ويتم نقلها إلى الأفران المخصصة للحريق والتى تبنى خارج الكتل السكنية أو داخل الزراعات أو فى أراض غير ممهدة للزراعة لانبعاث كميات الدخان منها.
والمرحلة التالية هي الأهم والأصعب، بحسب عطا الله، حيث توضع كميات قليلة من القمح الأخضر على بلاطة مصنوعة من الطين داخل الفرن ويتم إشعال الفرن لعدة ساعات تبدأ من بعد الفجر وتمتد إلى ساعات من الليل وتظل كل كمية من القمح لمدة 10 إلي 15 دقيقة، ثم تبدل بكميات آخرى.
والمرحلة الثالثة هي نقل تلك الكميات إلى ما يعرف بالمنشر وهو مفرش من البلاستك أو الكتان يوضع على مساحات شاسعة يتم نشر الفريك الأخضر عليه لمدة يومين يتم تعرضه للشمس ويقلب كل يوم مرتين حتى يجفّ ويطلق عليه في ذات الحالة فريك جاف بذات لونه الأخضر، ثم يجمع على شكل جرن (كومة).
وبعد تجميع "الفريك" الجاف، بحسب عطا الله، يؤتى بدرّاسة (ماكينة زراعية)، تفصل القش عن الفريك الجاف ويقف الفلاح أو العامل أعلى الدراسة ويتم مناولته الأقماح الخضراء ثم يقف 2 من العاملين لتعبئة "الفريك" فى أجولة لنقلها إلى التجار وجزء منها يتم تخزينه فى البيوت أو بيعه بنظام القطاعى (التجزئة) بما لا يقل عن دولار أمريكي للكيلو فى الأسواق الشعبية أو المجمعات الاستهلاكية الحكومية بمدن المحافظة والمحافظات الأخرى.
وفى شهر أبريل/ نيسان من كلّ عام تغطى سماء قرية زهرة، بحسب مراسل الأناضول، بدخان كثيف جراء انبعاث الدخان والأتربة من كثرة الأفران المشتعلة بالنار لحرق القمح الأخضر لإنتاج "الفريك".
أسباب كثيرة تدفع الأسر للعمل في مهنة إنتاج "الفريك"، بحسب المزارع خلف عبد الرحمن، الذي يشارك هو وأسرته المكونة من 6 أفراد غير زوجات أولاده في انتاج "الفريك" من هذا القمح الأخضر كل عام منذ 30 عاما منها "ارتفاع نسبة البطالة وعدم وجود فرص عمل بالجهاز الحكومى والسعي لسداد ديون عليه أو لتزويج إحدي بناته المخطوبة".
فيما قالت زوجته أم ياسر (نحو 50 عاما) وهى تجلس أمام الفرن البلدى (فرن محلي ريفي يصنع من الطين) متحملة متاعب صحية جراء دخان الفرن إنهم كأسرة مستمرون فى تلك المهنة رغم قسوتها وتعبها من أجل لقمة العيش.
ومثل أم ياسر، تسير أم عبد النبى، وهى سيدة أخرى (في نهاية الأربعينات من عمرها) تجلس أمام الفرن المخصص لحريق القمح الأخضر بالقرية قائلة: "هنعمل إيه (ماذا نفعل) ليس لدينا غير تلك المهنة علشان أكل العيش (للحصول على الرزق)".
وأهمية قرية زهرة ترجع إلي كونها ضمن محافظة المنيا التي تزرع مساحات كبيرة من القمح وصلت في آخر إحصائية إلى 261 ألف فدان حسب تصريحات محافظ المنيا صلاح زيادة، حيث تصدرت محافظة المنيا على مدار 8 سنوات متوالية المركز الأول فى زراعة القمح علي مصر حيث يصل إنتاج الفدان الواحد من 30 إلى 35 أردب سنويا (أردب القمح= 150 كيلو غرام).
وتلك المساحة الشاسعة أتاحت لفلاحين من أهالى قرية زهرة إلى التوسع فى حصاد القمح الأخضر لتحويله إلى سلعة "الفريك" حيث أشار بعضهم لمراسل الأناضول إلى أن تلك القرية تقوم بحصاد ما يقرب من 3 إلى 5 آلاف فدان من المحصول لإنتاج الفريك السنوى لتوفر ما يقرب 10 آلاف فرصة عمل بين حصاد القمح ومراحل إنتاج الفريك ونقله سواء داخل مصر أو خارجه.
وهذا الأمر دفع أكثر من شباب 5 قرى مجاورة لقرية "زهرة" للقدوم إليها للمشاركة فى العمل بمحصول "الفريك" بأجر لا يتجاوز 50 جنيها (نحو 7 دولارات أمريكية) فى اليوم طوال فترة الموسم التي تصل لنحو شهر، بحسب مراسل الأناضول.
وقال أيمن أبو شهيه (33 عاما) أحد الشباب الذين التقت بهم وكالة الأناضول داخل إحدى الزراعات أنه حاصل على مؤهل متوسط لأكثر من 15 عاما ولديه زوجة و3 أولاد ونظرا لعدم وجود فرص عمل حقيقية بالحكومة يضطر للعمل بموسم الفريك حيث أن تلك القرية تنتج الأطنان من الفريك البلدى.
وأضاف أنه بمجرد انتهاء موسم "الفريك" يذهب مع زملائه إلى العمل فى تنظيف وتجميل النخيل الذى يحيط بالقرية أو العمل على فترات متقطعة فى زراعة محصول البطاطس أو العمل بالمحاجر القريبة من عاصمة المحافظة وتمتد بطول 3 مدن بطول المحافظة.
وبحسب حديث ماهر زيدان، أحد التجار الكبار بالقرية، للأناضول، يقوم بتحصيل وجمع أجولة الفريك من الأهالى يوميا، وكان سعره منذ سنوات لا يتعدى 600 جنيها (نحو 80 دولارا أمريكيا) للأردب الواحد أما اليوم فقد وصل سعر الأردب الواحد إلى ألف جنيه (حوالي 130 دولارا) .
من جانبه، قال حسين رشدان، نائب رئيس الغرفة التجارية بالمنيا، للأناضول إن الكميات الكبيرة التى تخرج من قرية زهرة يتم نقلها إلى محافظات الوجه البحرى للتصدير من خلال الأسواق المتواجدة هناك أو من خلال رجال أعمال متخصصين فى تصدير تلك السلعة.
وأضاف رشدان إلى أنه "نظرا لاتساع مساحة زراعة محصول القمح بالمحافظة فإننى أعتبر أن سلعة الفريك سلعة استراتيجية مثل محصول القمح تماما لأنه جزء من الغذاء الرئيسى للشعب المصرى والشعوب المستهلكة للفريك خارج مصر".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق